من الداخل الهادئ للفريق الفائز.. إيلي فاميرا تصوغ “الإنسان” قبل “اللاعب” في SRG.OG

في مشهدٍ لا يعترف إلا بالقوة والنتائج، وبينما تتجه أنظار العالم نحو العاصمة الرياض، التي تحتضن النسخة الثانية من كأس العالم للرياضات الإلكترونية، تتشكّل خلف الكواليس حكايات لا تروى على المنصة, حكايات تتجاوز لحظة الفوز أو مهارة اللعب، وتمتد إلى تفاصيل النفس والجسد والعقل، في تلك الزاوية الصامتة من بيت الفريق، تعمل مديرة تطوير اللاعبين في فريق SRG.OG، إيلي فاميرا، بصبرٍ مدروس، لا تسعى من خلاله إلى الأضواء، بل إلى ما هو أعمق، صياغة شخصية رياضية متزنة، قادرة على الصمود في وجه الضغوط، والاستمرار في المنافسة على المدى الطويل، وسط بيئة يُحسب فيها كل خطأ، وتُقاس فيها القيمة بلحظة، تقود إيلي تحولًا جذريًّا في مفاهيم الإعداد الرياضي داخل قطاع لا يزال يُعيد تعريف ذاته.
ويُعد فريق SRG.OG، أحد أبرز فرق البطولة، إذ يحمل إرثًا من الانضباط والاحتراف، مصدره نادي سلاغور الماليزي لكرة القدم الذي ينتمي إليه الفريق، وهو امتداد من الرياضة التقليدية إلى الرياضة الإلكترونية، ما منح الفريق قاعدة صلبة لبناء عقلية احترافية من اليوم الأول.
وتقول إيلي فاميرا، في تصريح خاص لوكالة الأنباء السعودية: “لا نريد الفوز مرة واحدة فقط، بل نُعدّ لاعبًا يمكنه البقاء، الاستمرارية هي الهدف، ولا طريق إليها من دون بناء الإنسان أولًا, وهذا النهج لا يقوم على الانضباط الصارم، ولا على التدخل المباشر، بل على رحلة بطيئة لكنها ثابتة، تبدأ من أصغر التفاصيل، وساعات النوم، ومواعيد الطعام، وتنظيم وقت الشاشة، والتعامل مع الخسارة بوعي وليس بانفعال”.
وفي إحدى المحطات التي اختبر فيها الفريق هذا النهج، وبعد خسارته من Mythic Sil في مرحلة المجموعات ببطولة MSC، لم يلجأ أعضاء الفريق إلى الانفعالات أو العتب، بل انفرد كل لاعب مع نفسه ومشاعره، استوعب ما حدث، تناول وجبة العشاء بهدوء، ثم عاد إلى غرفة التدريب بذهنٍ أنضج، وحالة نفسية أكثر اتزانًا، هذا التوازن لم يكن عشوائيًّا، بل نتيجة منظومة دقيقة تُشرف عليها إيلي، تضم أخصائيًّا نفسيًّا، وأخصائي تغذية، ومعالجي علوم رياضية، جميعهم يعملون تحت فلسفة واحدة وهي ليس المطلوب أن نصنع لاعبين خارقين، بل بشر متزنون قادرون على الأداء تحت الضغط، دون أن يفقدوا أنفسهم في الطريق.
وضمن هذه المنظومة، يُطبّق ما يُعرف بـ”البلاك آوت”، وهو توقيت يُمنع فيه استخدام الأجهزة الذكية لضمان راحة ذهنية كافية قبل النوم، حيث تُشرف فاميرا على تنفيذ هذه القاعدة لضمان حصول اللاعبين على (8) إلى (9) ساعات نوم يوميًّا، وهو عنصر لا يقل أهمية عن التدريب نفسه، وتصل رعايتهم إلى أبسط تفاصيل الحياة اليومية، فحتى وجبات الطعام تخضع لتخطيط علمي دقيق، حيث يستفيد الفريق من موارد نادي سلانغور، ويعمل شيف خاص على تحضير وجبتين يوميًّا، وفق خطة أسبوعية يضعها أخصائي تغذية.
وتُدرك إيلي أن اللاعب لا يمكن أن يكون آلة تُقيّم بالنتائج فقط، بل إنسان يحتاج إلى من يفهم مزاجه، وقلقه، وحتى لحظات ضعفه، فتدخلها لا يكون بالصراخ أو الفرض، بل بالتعاطف المنظم، وهي فلسفة تُعيد تعريف العلاقة بين اللاعب والإدارة، بين الأداء والإنسانية، إذ تقول في هذا الصدد: “اللاعبون أكثر الكائنات هشاشة تحت الضغط، يتلقّون أحكام الجماهير، وتُسلّط عليهم الأضواء في كل خطأ، نحن لا نسمح لهذا الضغط أن يتحوّل إلى جلد ذات، نُعيد تعريف دور اللاعب داخل الفريق، نحتفل به كونه إنسانًا أولًا، ثم رياضيًا وهي لا تؤدي هذا الدور من خلف طاولة اجتماعات، بل من داخل بيت الفريق، تتابع الإشارات غير المنطوقة، توجد بينهم، وتُعيد ضبط الإيقاع العاطفي للجماعة بهدوء واتزان.
وتختصر مديرة تطوير اللاعبين في الفريق رؤيتها بجملة واحدة: “وظيفتي ليست تطوير المهارة التقنية فقط، بل توفير التربية النفسية التي تنمو فيها تلك المهارة”, إذ إن ما تقوم به لا يُمكن اختزاله في دعم نفسي، بل إعادة بناء شاملة للبنية الذهنية والبدنية للاعب في بيئة معروفة بتقلبها وضغطها العالي، هدفها ليس فقط تحقيق الفوز، بل الحفاظ على استمرارية صحية تُبقي اللاعب في الميدان، دون أن ينهار أو يفقد شغفه.