الكرة السعودية

المدرب السعودي.. طموح يتجاوز التحديات

حصل ما لم يحصل من قبل، عبر تاريخ الدوري السعودي للمحترفين. 5 مدربين سعوديين يصعدون إلى القيادة الفنية في الفرق المنافسة خلال 92 يومًا.
جاء نجاح المدرب السعودي مغريًا للغاية لأصحاب القرار، منذ أصبح سعد الشهري خليفة لسلفه الإنجليزي ستيفن جيرارد.
وتتابعت الأحداث، حين تقدم محمد العبدلي إلى المقعد الشاغر بعد إقالة الأرجنتيني رودولفو أروابارينا، تبعه خالد العطوي بديلًا للبرتغالي نونو ألميدا، ثم بندر الكبيشان عوضًا عن الفرنسي صبري لموشي.
وأخيرًا، رحل البرتغالي جورجي جيسوس، ليترك المجال أمام أكثر لاعب سعودي تتويجًا بالألقاب، محمد الشلهوب، للعمل مدربًا لحامل اللقب.

قبل سنوات، كان المدرب السعودي يسعى بأن يحصل على فرصة، اليوم، هذا الحلم تحول إلى حقيقة مع 5 أسماء وطنية تقود أندية دوري روشن السعودي، بذكاء، وعزيمة، وطموح لا يتوقف.

هنا تبدأ الحكاية، محمد العبدلي في القصيم، وخالد العطوي في عسير. كلاهما جاء في لحظة حرجة، وتحمّل مهمة إعادة ترتيب الفريق، وبث الثقة من جديد، والقيادة بواقعية، لا بوعد البطولات، بل برغبة في البقاء، وصناعة مشروع حقيقي.

في القصيم، وتحديدًا مع التعاون، عاد محمد العبدلي ليواجه تحديات من نوع خاص. تجربته عام 2020 مع التعاون كانت مليئة بالدروس، بين محاولة رفع المعنويات السريعة، والتعامل مع فريق يطمح دائماً للتقدم.

تسلم محمد العبدلي دفة القيادة لنادي التعاون، في مهمة طارئة جاءت في منتصف الموسم. لم يكن الوقت في صالحه، لكن الذهن كان حاضرًا، والعين مفتوحة على التفاصيل الصغيرة أملاً في صناعة  الفارق في لحظات الحسم.

يقول العبدلي عن هذه المرحلة: “كان الوقت حساس جدًا. التحدي الأكبر لم يكن فنيًا بقدر ما هو ذهنيًا، كيف ترفع الروح، كيف تعيد التوازن، وكيف تزرع الثقة في فريقك وسط العاصفة.”

محمد العبدلي لم يكن غريبًا عن أجواء الفرق المتوسطة أو الجماهيرية، لكنه كان يدرك أن الضغط يتغير شكله حسب نوع الفريق. فالفرق الكبيرة مثل الاتحاد تفرض عليك طموحات عالية، وتضعك تحت المجهر من أول مباراة. بينما الفرق المتوسطة تفرض نوعًا مختلفًا من الضغط، تحدي البقاء وصناعة الفارق، فالتحدي فيها أقل، وأحيانًا أصعب، لأنك مطالب في عمل فارق حقيقي بأدوات أقل.

خلال مسيرته، تعلّم العبدلي أن العلاقة مع اللاعبين هي حجر الأساس لأي مشروع فني. لم يكن يفرق في تعامله بين اللاعب السعودي والمحترف، بل كان يرى الميدان هو الحَكم الوحيد.

موضحًا: “أنا لا أحب أن أعمل فاصل بين اللاعبين، السعودي اليوم لديه فكر احترافي عالي. من يعطي داخل الملعب، هو الذي يستحق أن يلعب. وجودي في الفريق لم يكن كماليات، أنا أعرف الفريق جيدًا.”

لكن الطموح لم يكن لحظة عابرة في مشواره، بل فكرة متجذرة يرى فيها النجاح كمسار وليس كهدف سريع.  يقول بثقة: “أنا لا أفكر في الطموح كأمنيات أو عناوين، أنا أفكر في النجاح، والنجاح الحقيقي يبدأ عندما تتوافق أهدافك مع إمكانيات النادي، وتكون الأهداف منطقية وتتحقق بتدرج وخطة واضحة.”

ثم يضيف بتأمل: “ليس كل فوز يعتبر نجاحًا، ولا كل خسارة تعني الفشل. الأهم هو أن تخلق مشروعًا، لتتطور، وتترك الأثر.”

في خضم الحديث عن المدرب السعودي، لا يتردد العبدلي في الاعتراف بالتحديات النفسية قبل الفنية قائلاً: “الأنظار دائمًا عليك.”

ويؤمن العبدلي أن ما ينقص المدرب السعودي ليست الكفاءة، بل الثقة والاحترافية الحقيقية. يقول: “نحتاج كمدربين سعوديين إلى الدعم، وليس الدعم المادي فقط، بل أيضًا المعنوي.”

وعمن ألهمه في مسيرته، يقول: “يعجبني مدرب نيوكاسل إيدي هاو، كان بعيد عن الأضواء، لكنه اشتغل بصمت وصنع هوية لفريقه، النوع هذا من المدربين يلهمني.. الهادئ، الشغوف.”

العبدلي لا يقدم نفسه كمدرب يبحث عن الأضواء، بل كمدرب يؤمن بالتحضير العميق، وبأن النجاح ليس صدفة، بل نتيجة منطق وفكر واستمرارية. وبقدر ما كان الطريق مليئًا بالتحديات، إلا أنه كان بداية لمسار طويل، فيه الكثير من الحلم، والكثير من الصبر.

أما في عسير، يقود خالد العطوي فريق ضمك وسط تحديات، ليس فقط على مستوى النتائج، بل على مستوى التوازن النفسي والذهني، لا سيما أن وضع الفريق يحتاج إلى موازنة دقيقة، مثلما وصفها العطوي: “تمسك العصا من النصف.”

العطوي، الذي كوّنت تجربته مع المنتخبات السنية شخصية تدريبية مختلفة، لا يؤمن بالعشوائية. بل يرى أن كل خطوة تبنى على فكرة، وكل فكرة تختبر بقرار.

بلا شك، أن المهمة هذه المرة لم تكن سهلة، لكنها لم تكن غريبة عليه. “عودة الفرصة تحمّلك مسؤولية مضاعفة”، يقولها العطوي بنبرة يعرفها كل من مرّ بمواقف مشابهة.

مضيفًا دائمًا أقول للاعبين: “كرة القدم قرارات. قد تصيب وقد تخطئ، لكنك يجب أن تفهم أن هناك 4 أشياء تأثر عليك: زميلك، المنافس، المساحة، والوقت. إذا استطعت قراءة هذه العناصر، هنا تبدأ تتطور”

أسلوبه في التعامل مع اللاعبين يبرز هذه الفلسفة يقول: “أعطيهم الثقة، وأعاملهم بالاحترام. اللاعب إذا شعر بأنك تؤمن به، يعطيك أكثر. وأنا حريص بأن يفهموا أن القرار داخل الملعب جزء من شخصيتهم.”

ويقول بواقعية: “مع استلام الفريق في منتصف الموسم، كان الهدف واضحًا، استقرار فني سريع وتحقيق نتائج إيجابية، بالنسبة لضمك، كان الهدف الأول هو البقاء، وهو هدف منطقي ويمكن تحقيقه. ما نبيع أوهام، نشتغل على الممكن.”

وفي مشهد التدريب السعودي، يبقى العطوي من الأصوات التي تدعو للدعم الحقيقي للمدرب المحلي، لا بالشعارات، بل بالثقة والفرصة الكاملة.

الإلهام بالنسبة له لم يأت من فراغ. هو يرى في مدرب مثل بيب غوارديولا نموذجًا ملهمًا في فلسفة السيطرة والتفكير العميق، لكنه يدرك أن تطبيق مثل هذه الأفكار يحتاج إلى بيئة تدعم، لا تستهلك فقط.

وفي النهاية، يرى العطوي أن كل تجربة تخاض بروح الطموح الواقعي، هي خطوة نحو مشروع أكبر، لأن كرة القدم ليست سباق للنتائج السريعة فقط. النجاح الحقيقي يبدأ من الطموح… والطموح يجب أن يكون واقعيًا، مبني على إمكانيات حقيقية، وتفاصيل لا يراها إلا الذي عاش “داخل الملعب”.

هكذا، تتشكل ملامح مرحلة جديدة من المدربين السعوديين. ليسوا صدىً لشعارات عابرة، بل وجوهًا لحلم طويل بدأ يتحقق. وجوه تقود، تفكر، وتحلم… لكن بأقدام ثابتة على أرض الواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى