الكرة السعودية

لأول مرة في تاريخ دوري المحترفين.. 5 فرق تضع ثقتها بالمدرب الوطني لتولي دفتها الفنية

حصل ما لم يحصل من قبل، وطوال تاريخ الدوري السعودي للمحترفين، سجّل (5) مدربين سعوديين أسماءهم بوصفهم الخيار الأفضل لتولي قيادة الدفة الفنية لفرق متنافسة في دوري روشن السعودي 2024 – 2025، أحدها في مقدمة سلم ترتيب الدوري، وآخر في منتصف الترتيب، وهناك من ينشد منها الهرب من شبح الهبوط، وبالرغم من تباين أهداف هذه الفرق، إلا أنهم اتفقوا على الثقة بالمدرب الوطني لتحقيق أهدافهم.
نجاح المدرب السعودي جاء مغريًا للغاية لأصحاب القرار في هذه الفرق ذات الأهداف المتباينة، لاسيما بعد أن نجح المدرب الوطني سعد الشهري في معالجة المشكلات الفنية في فريق الاتفاق نظير السياسة التدريبية للمدرب الإنجليزي ستيفن جيرارد.
ومع تتابع الأحداث، جاء خيار إدارة فريق التعاون بقرارها منح الثقة للمدرب الوطني محمد العبدلي ليحلّ محل المدرب الأرجنتيني رودولفو أروابارينا بعد إقالته، تبعه المدرب الوطني خالد العطوي الذي جاء بديلًا للمدرب البرتغالي نونو ألميدا في فريق ضمك، ثم المدرب الوطني بندر الكبيشان الذي اختارته إدارة فريق الرياض لتعويض المدرب الفرنسي صبري اللموشي، قبل أن تتخذ إدارة فريق الهلال أخيرًا قرارها بإقالة المدرب البرتغالي خورخي خيسوس، ليترك المجال أمام أكثر لاعب سعودي تتويجًا بالألقاب، لاعب الوسط السابق محمد الشلهوب، ليتولى مهمة صعبة للغاية بأن يكون مدربًا لفريق الهلال حامل لقب دوري روشن السعودي في الموسم الماضي، ووصيف المتصدر الاتحاد حتى الجولة (30)، وقبل أربع جولات من ختام المسابقة في هذا الموسم.
كل هذا حدث في موسم واحد من الدوري السعودي للمحترفين ولأول مرة في التاريخ، لاسيما وأن المدرب السعودي كان يسعى قبل سنوات للحصول على الفرصة التي حصل عليها اليوم، بوصف ذلك حلمًا قد تحوّل إلى حقيقة، فمع (5) أسماء وطنية تقود تدريب أندية دوري روشن السعودي، بذكاء، وعزيمة، وطموح لا يتوقف، ترجمت إلى نتائج جيدة نسبيًا، استنادًا إلى توقيت توليهم المهمة، وحدة المنافسة بين فرق الدوري الـ(18).
حكاية هؤلاء المدربين بحسب صعوبة المهمة والتحدي فيها، يتصدرها المدرب محمد العبدلي مع التعاون في مدينة بريدة، فالمدرب خالد العطوي في مدينة خميس مشيط، فكلاهما جاء في لحظة حرجة، وتحمّل مهمة إعادة ترتيب الفريق، وبث الثقة من جديد، والقيادة بواقعية، لا بوعد البطولات، بل برغبة في البقاء، وصناعة مشروع حقيقي.
ففي بريدة، وتحديدًا مع التعاون، عاد المدرب محمد العبدلي ليواجه تحديات من نوع خاص، فتجربته عام 2020 مع التعاون كانت مليئة بالدروس، بين محاولة رفع المعنويات السريعة، والتعامل مع فريق يطمح دائمًا للتقدم.
وتسلم محمد العبدلي دفة القيادة لنادي التعاون، في مهمة طارئة جاءت في منتصف الموسم, لم يكن الوقت في صالحه، لكن الذهن كان حاضرًا، والعين كاشفة للتفاصيل الصغيرة، أملًا في صناعة الفارق في لحظات الحسم، بحسب ما تحدث به، وقال عن هذه المرحلة: “كان الوقت حساسًا جدًا، والتحدي الأكبر لم يكن فنيًا بقدر ما هو ذهني، من حيث كيف بإمكانك أن ترفع الروح المعنوية للفريق؟، وكيف أستطيع استعادة توازنه؟، وماهي السبل المثلى لزرع الثقة في لاعبي الفريق وسط عاصفة المنافسة والاستحقاقات القادمة؟، إلا أن العبدلي لم يكن غريبًا عن أجواء الفرق المتوسطة أو الجماهيرية، لكنه كان يدرك أن الضغط يتغير شكله وفق نوع الفريق، لأن الفرق الكبيرة مثل الاتحاد تفرض عليك طموحات عالية، وتضعك تحت المجهر منذ أول مباراة، بينما تفرض الفرق المتوسطة نوعًا مختلفًا من الضغط، بتحدي البقاء وصناعة الفارق، فالتحدي فيها أقل، وأحيانًا أصعب، لأنك مطالب في عمل فارق حقيقي بأدوات أقل.
العبدلي خلال مسيرته تعلّم أن العلاقة مع اللاعبين هي حجر الأساس لأي مشروع فني، لذا لم يك يفرق في تعامله بين اللاعب السعودي والمحترف، بل كان يرى الميدان هو الحَكم الوحيد، قائلاً: “أنا لا أميل في عملي بوضع فاصل بين اللاعبين، فاللاعب السعودي اليوم بات لديه فكر احترافي عالي، لذا فإن العطاء داخل الملعب، هو الفيصل الوحيد والحقيقي الذي أؤمن به، مع مراعاة أمر غاية في الأهمية، يتمثل في أن وجودي في الفريق لا يمكن وصفه ضمن الكماليات، إلى جانب أنني أعرف الفريق جيدًا”، فالطموح لم يكن لحظة عابرة في مشوار العبدلي، بل فكرة متجذرة يرى فيها النجاح كمسار وليس كهدف سريع، وذلك عندما قال بثقة: “أنا لا أفكر في الطموح كأمنيات أو عناوين، أنا أفكر في النجاح، والنجاح الحقيقي يبدأ عندما تتوافق أهدافك مع إمكانيات النادي، وتكون الأهداف منطقية وتتحقق بتدرج وخطة واضحة”، مضيفًا: “لا يعدّ كل فوز نجاحًا، ولا كل خسارة تعني الفشل، لأن الأهم خلق مشروعٍ لتتطور، وترك أثر”.
في خضم الحديث عن المدرب السعودي، لا يتردد العبدلي في الاعتراف بالتحديات النفسية قبل الفنية قائلًا: “كمدربين وطنيين، نحن نعمل مع علمنا يقينًا أن الأنظار دائمًا علينا”، مؤكدًا في هذا السياق أن الكفاءة لم تك عيب أو منقوصة لدى المدرب السعودي، بل الثقة والاحترافية الحقيقية, وعن أسلوبه التدريبي الذي يسير وفقه، وعن الأسماء العالمية الملهمة له، قال: “يعجبني مدرب نيوكاسل الإنجليزي “إيدي هاو”، فقد قاد فريقًا كان بعيدًا عن الأضواء، وانتهج في عمله الصمت وصنع هوية لفريقه، لذا أحب أن أكون المدرب الهادئ، والشغوف”، فالعبدلي لا يقدم نفسه كمدرب يبحث عن الأضواء، بل كمدرب يؤمن بالتحضير العميق، وبأن النجاح ليس صدفة، بل نتيجة منطق وفكر واستمرارية, وبقدر ما كان الطريق مليئًا بالتحديات، إلا أنه كان بداية لمسار طويل، فيه الكثير من الحلم، والكثير من الصبر.
وهناك جنوب غرب المملكة وتحديدًا في مدينة خميس مشيط بمنطقة عسير، يقود خالد العطوي فريق ضمك وسط تحديات، ليست فقط مقتصرة على النتائج، بل على مستوى التوازن النفسي والذهني، لاسيما وأن الفريق يعيش أوضاع يحتاج فيها إلى موازنة دقيقة، مثلما وصفها العطوي قائلًا:”يجب مسك العصا من المنتصف”، فهو الذي كوّنت تجربته مع المنتخبات السنية شخصية تدريبية مختلفة، إذ لا يؤمن بالعشوائية، بل يرى أن كل خطوة تبنى على فكرة، وكل فكرة تختبر بقرار، وكان يعلم قبل أن يخوض هذه التجربة الجديدة أن المهمة هذه المرة لن تكون سهلة، إلا أنها ليست غريبة عليه، ولكنه يؤمن بأن الحصول على الفرصة مجددًا يمثل مسؤولية مضاعفة، وقال:”طالما كان خطابي للاعبين بتسليط الضوء على فكرة أن كرة القدم قرارات، قد تصيب وقد تخطئ، لكنك يجب أن تفهم أن هناك (4) أشياء تأثر فيك: زميلك بالفريق، والمنافس، والمساحة، والوقت، لأنك إذا استطعت قراءة هذه العناصر، فتأكد بأنك بدأت بالتطور”، لذا يظهر من هذه الرؤية الفنية للعطوي أن أسلوبه في التعامل مع اللاعبين يبرز فلسفته التدريبية، فهو يؤكد ذلك قائلًا:” يهمني جدًا منح اللاعبين الثقة، والتعامل معهم باحترام، لأن اللاعب إذا شعر بأنك تؤمن وتثق به، فإن ذلك سينعكس إيجابيًا على عطائه، إذ سيعطي أكثر، كما أنني حريص على أن يفهموا أن القرار داخل الملعب جزء من شخصيتهم”، مضيفًا بواقعية: “مع استلام الفريق في منتصف الموسم، كان الهدف لدي واضحًا، بدءًا من ضرورة إيجاد حالة استقرار فني سريع وتحقيق نتائج إيجابية، فبالنسبة لفريق مثل ضمك، فإن الهدف الأول الذي يتطلع إليه محبوه وصانعو القرار فيه هو البقاء، وهو هدف منطقي ويمكن تحقيقه”.
وفي عموم النظرة لحاضر المدرب السعودي، يبقى العطوي في مقدمة الأصوات التي تدعو للدعم الحقيقي للمدرب الوطني، وذلك ليس عبر الشعارات والأحاديث المثالية، بل بالعمل الفعلي بمنحه الثقة وفرصة مكتملة، أما بالنسبة للإلهام، فهو يرى في المدربين على غرار المدرب الإسباني بيب غوارديولا أنموذجًا ملهمًا في فلسفة السيطرة والتفكير العميق، لكنه يدرك أن تطبيق مثل هذه الأفكار يحتاج إلى بيئة تدعم ذلك.
وفي ختام حديث المدرب خالد العطوي فقد أكد أن كل تجربة تسير وفق الطموح الواقعي، هي خطوة نحو مشروع أكبر، لأن كرة القدم ليست سباق للنتائج السريعة فقط، فالنجاح الحقيقي يبدأ من الطموح والواقعية، المبنية على إمكانيات حقيقية، وتفاصيل لا يراها إلا الذي يعيشها داخل الملعب.
ومن الساحل الشرقي للمملكة، في مدينة الدمام، وعندما كان الدوري في منتصفه تمامًا، حين دخل المدرب الوطني سعد الشهري إلى غرفة ملابس الاتفاق للمرة الأولى لتولي مهمة الإشراف الفني على الفريق فيما تبقى من منافسات الموسم، وحين اتجه إلى اللاعب الهولندي، وقائد الفريق جورجينيو فينالدوم، وقال له:”لن تعود إلى اللعب في مركز المحور بعد الآن”، هكذا اتخذ الشهري قراره الشجاع، ومضى يراقب لاعبه يسجل الهدف تلو الآخر، مما جعل اللاعب ذا إسهام كبير في صعود الاتفاق من المركز الـ(12) (حيث تركهم ستيفن جيرارد) إلى المركز الثامن، وأصبح السؤال المطروح للمتابعين عن تألقه، بعدما صعد إلى صدارة الهدافين في فريقه.
فينالدوم الذي بات نجم الاتفاق في كل المباريات، ويرتفع تألقه في المباريات الكبرى، هو من أهدى الشهري النقاط الثلاث الأولى في لقاء الاتفاق بالشباب، وبهدفين رائعين، كررها أخرى بثنائيته في ملعب النصر، وقاد فريقه إلى قلب نتيجة المواجهة إلى (3 – 2)، وأخيرًا سجل هدف التعادل في مرمى القادسية بجولة الديربيات.
المدرب الوطني سعد الشهري تحدث عن تجربته مع الاتفاق وعن قراراته، قائلًا:”أول قرار اتخذته كان بخصوص فينالدوم وتحديدًا في تغيير مركز لعبه داخل الملعب وفي خارطة الفريق الاتفاقي، إذ كان يلعب محورًا في مركز الرقم (6)، لكني رأيت أنه يملك إمكانات هجومية عالية، فقررت أن يستفيد منه الفريق أكثر عند تقديمه للمركز رقم (10)، وأحيانًا إلى المركز رقم (8) وفق مجريات المباراة”.
هذه الرؤية الفنية تمثل فلسفة تدربية استطاع الشهري تنميتها والعمل وفقها، حتى باتت أسلوبًا تدريبيًا خاصًا به، لم تأت بمحض الصدفة، لأن الشهري عند الوقوف على تاريخه كمدرب فهو من أمضى قبل تدريبه للاتفاق، (6) أشهر يستعيد فيها أنفاسه من عمل (6) أعوام متواصلة مع المنتخبات السعودية السنية، تلاها تلقيه عروضًا للعمل في الأندية، لكنه كان يسعى لهدفٍ آخر، ويمتلك طموح ورؤية خاصة به، بحسب قوله: “عُرضت عليّ فرص كثيرة، لكنني لم أكن أبحث عن فرصة عمل فقط، بل كنت أبحث عن نادٍ أستطيع أن أنجح فيه، وأكمل من خلاله مسيرتي التي بدأت منذ عام 2008″، لذا لم يبد الشهري أي مخاوف من العمل في الاتفاق حينها، وقال: “أنا قرأت الواقع، وكنت أتابع الاتفاق بشكل جيد، ومن قراءتي للمشهد، لم أرى أن الاتفاق فريق مهدد بالهبوط، فالفريق يملك عناصر جيدة”.
بهذه الكلمات افتتح سعد الشهري حكايته مع الاتفاق لم يكن ينتظر أول عرضٍ يُقدَّم له ليقول “نعم”، بل كان ينتظر المكان الذي يشعر بأنه يُشبهه نادٍ يمكن أن يرى نفسه فيه، ويصنع فيه شيئًا يتجاوز مجرد التواجد.
المهمة التي وافق المدرب سعد الشهري على التصدي لها، جاءت بعد فترة كان قد قاد فيها المدرب ستيفن جيرارد الفريق، وكانت أغلب اختيارات التشكيلة من قراراته الفنية، وذلك كان أمرًا ليس بالسهل، لكن الشهري لم يراه عائقًا، لأنه اعتمد على خبرة تدريبية تراكمت منذ عام 2008م، وأدرك أن النجاح في مثل هذه المواقف يتوقف على مدى قدرته على إيصال فكرته للاعبين، وهذا ما حرص عليه منذ اللحظة الأولى، قائلًا: “ركزت على الجانب المعنوي، والسعي إلى إيجاد توازن واضح بين طريقة اللعب والعلاقة مع اللاعبين”، إلى جانب أنه آمن بأن اللاعب السعودي اليوم بات يمتلك فكرًا احترافيًا عاليًا، وهذا تطور يُحسب له، لذا فالشهري لا يفرق بين لاعب شاب أو نجم كبير، بل يؤمن بأن الالتزام والعطاء هما المعيار الحقيقي، ومنذ بداية عمله، سعى لترسيخ هذا المبدأ، وأن الانضباط هو ما يصنع الفارق، وليس الأسماء.
وعن اللاعبين الذين لفتوا انتباهه، قال الشهري:”اللاعب عبدالإله المالكي، أحد هؤلاء اللاعبين الذين لفتوا انتباهي، إذ استطاع تطوير نفسه ومهاراته، وأنا سعيد جدًا بما وصل إليه من مستوى متقدم خلال هذه المرحلة، بالرغم من الإصابات التي تعرض إليها في فترة سابقة أبعدته عن الملاعب لمدة طويلة”.
أما عن أصعب مباراة واجهته، فكانت بلا شك أول مباراة له مع الفريق أمام الشباب، ومع ذلك تمكّن، من تحقيق الفوز، واصفًا إياها بالمحطة المفصلية، والبداية الموفقة، وأن النجاح المستمر يتطلب التركيز على طبيعة المنافس، فالفرق الجماهيرية وذات الخبرة باللعب في محافل كبيرة وتحت الضغط وتمتلك عناصر مميزة فينبعي للمدرب أن يهتم كثيرًا بالتحضير الذهني والفني العالي، بجانب تكثيف العمل الفني قبلها”.
وعن تجربة المدربين السعوديين في الدوري قال الشهري: “اليوم، يوجد في دوري روشن السعودي (5) مدربين سعوديين، وأنا أعتز بأنني كنت الأسبق بينهم، وهذا يعني أن المسؤولية باتت أكبر، فنحن كمدربين سعوديين نفكر في تقديم الأفضل، ومكملين لبعضنا البعض”، مضيفًا:”التحدي الأكبر الذي يواجه المدرب السعودي يتمثل في منحه الثقة، لأنه يمتلك الكفاءة اللازمة، فقط هو يحتاج لفرص حقيقية واستمرارية، لأن الكرة السعودية لن تتطور إلا بأبنائها، والمدرب السعودي يستحق أن يُمنح المساحة التي تتيح له أن يُثبت نفسه ويترك بصمته”.

زر الذهاب إلى الأعلى